ما هو "هيدروكسي كلوروكين"؟
فيما يحارب العالم فيروس كورونا بكل الوسائل الممكنة لمنع تفشيه، أعلنت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب خلال مؤتمر صحافي، أن الكلوروكين وهيدروكسي كلوروكوين، من بين أدوية أخرى، تتم الموافقة عليها من قبل إدارة الغذاء والدواء (FDA) لاختبار كعلاجات محتملة لفيروسات التاجية COVID-19.
وليست هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها ذكر هذه الأدوية كعلاجات محتملة للمرض الفيروسي.
هذا وأظهر الاختبار المبكر لهيدروكسي كلوروكين في فرنسا نتائج واعدة، حيث أشارت النتائج إلى أن 50% من المرضى الذين ثبتت إصابتهم بالفيروس كانت سلبية، بعد ثلاثة أيام فقط من العلاج.
ومع ذلك، على الرغم من أن النتائج لا تزال غير واضحة للغاية ما إذا كان هذا حلاً قابلاً للتطبيق، فقد يكون من الضروري فهم ماهية هذا الدواء بالضبط، وما هو معروف عنه بالفعل.
ما هو؟
تم اعتماد Hydroxycholorquine (الذي يباع تحت اسم العلامة التجارية Plaquenil)، والكلوروكين المرتبط ارتباطًا وثيقًا، في عام 1950 بشكل أساسي كعلاجات لمكافحة الملاريا. ومنذ ذلك الحين، تم استخدام الأدوية لمجموعة واسعة من الأمراض، بما في ذلك الذئبة الحمامية الجهازية (المعروفة باسم "الذئبة")، والتهاب المفاصل الروماتويدي، ومتلازمة سجوجرن، وحتى بالنسبة لمضاعفات مرض لايم.
كيف يعمل
أحد الجوانب التي تم فهمها جيدًا نسبيًا هو أن هذه الأدوية تعمل على المستوى الجزيئي لتعطيل عمليات الخلايا الحرجة، مما يعطل الاستجابة المناعية للجسم.
وبما أن الاستجابة المناعية الطبيعية مسؤولة عن الالتهاب وأعراض الأمراض العامة الأخرى (مثل الألم والحمى والألم وما إلى ذلك) ، فإن هذه العملية المضادة للمناعة تعمل على الحد من الأمراض الجهازية مثل التهاب المفاصل الروماتويدي.
أما بالنسبة لعلاج الملاريا، على الرغم من أنه يمكن الإشارة إلى Plaquenil لعلاج الملاريا غير المعقدة، فإن الآلية الدقيقة التي يعمل من خلالها هذا الدواء على حل الملاريا غير معروفة إلى حد كبير.
ما هي الآثار الجانبية
على الرغم من أن هيدروكسي كلوروكوين قد يكون فعالًا، إلا أنه يمكن أن يسبب العديد من الآثار الجانبية، بما في ذلك على سبيل المثال لا الحصر الصداع، وفقدان الشهية، والغثيان، والتقيؤ، والطفح الجلدي، وما إلى ذلك. ومن الآثار الجانبية الخطيرة هي فقدان الرؤية بسبب سمية الشبكية.
وهناك فائدة كبيرة من استخدام هذه الأدوية حيث كانت في السوق تستخدم لفترة طويلة، لذلك يتوفر قدر معقول من المعلومات المتعلقة بها وتأثيرها على المريض، والآثار الجانبية، والفعالية.
هذا وقد تم دعم استخدامها، خاصة بالنسبة للاضطرابات الروماتيزمية والملاريا بشكل جيد نسبيًا من قبل منظمة الصحة العالمية (WHO) ومراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC).
وأخيرًا، نظرًا لأنها موجودة منذ فترة طويلة، تتوفر إصدارات عامة، والتي قد تثبت أنها فعالة من حيث التكلفة إذا تم استخدامها لعلاج فيروسات التاجية في جميع أنحاء العالم.
ولكن في الواقع، لا يزال هناك قدر كبير من العمل الذي يتعين القيام به قبل الإعلان عن هذه الأدوية كخيار علاج قابل للتطبيق لكورونا، خاصة فيما يتعلق بالفعالية والسلامة ونتائج المرضى على المدى الطويل.
ومع ذلك، إذا كان المجتمع العلمي قادرًا على التعاون بسرعة كافية لاختبار هذه الأدوية، وإذا كانت النتائج واعدة بالفعل كما تبدو في البداية، فقد يؤدي ذلك إلى تغيير قواعد اللعبة في الحد من جائحة الفيروسات التاجية.
AKSIL POST
السبت، 18 أبريل 2020
مالا تعرفه عن "هيدروكسي كلوروكين" المستخدم لعلاج كورونا
السبت، 13 أبريل 2019
كيف يتم التنقيب و إستخراج النفط
الحفر والاستخراج
● الاستخراج الأساسي
● الاستخراج الثانوي
● الاستخراج الثلاثي
أنشتاين كان محقا ! أول صورة حقيقية للثقب الأسود
عودة عبقرية ألبرت اينشتاين للواجهة مرةً أخرى..أول صورة حقيقية للثقب الأسود الموجود في مجرة M87
تدعم الصورة الأولى للثقب الاسود، التي كشف عنها (تلسكوب أفق الحدث – Event Horizon Telescope) (EHT)في العاشر من الشهر الحالي، نظرية آينشتاين عن النسبية العامة، والتي فاق عمرها قرنًا من الزمن.
وقال أفريري برودريك، عضو فريق تلسكوب أفق الحدث من جامعة واترلو ومعهد المحيط للفيزياء النظرية في كندا، في مؤتمر صحفي في نادي الصحافة الوطني في العاصمة واشنطن: «اجتازت النسبية العامة اليوم اختبارًا هامًا، يمتد هذا الاختبار من أفق الحدث وحتى النجوم».
تصف النسبية العامة الجاذبية بأنها تشوه في نسيج الزمكان. تُنشئ الأجسام الضخمة نوعًا من الانحناء أو التقعر في النسيج الكوني، تسقط الأجسام التي تمر في هذا الانحناء لأنها تتبع مساراتٍ منحنيةً (لا كنتيجة لقوة مجهولة تؤثَر عن بعد، وكانت هذه الرؤية التي أطلقها آينشتاين).
تطرح النسبية العامة تنبؤاتٍ محددةً عن طريقة عمل هذا التشوه في نسيج الزمكان. تفترض النظرية، على سبيل المثال، وجود الثقوب السوداء، وأن وحوش الجاذبية هذه تمتلك أفقًا للحدث؛ نقطة اللا عودة والتي لا يستطيع أي شيء، حتى الضوء، الهروب منها. وتفترض النظرية أيضًا، امتلاك أفق الحدث شكلًا دائريًا وحجمًا متوقعًا، والذي يعتمد على كتلة الثقب الاسود.
نلاحظ جميع هذه التنبؤات في الصورة الجديدة التي أطلقها تلسكوب أفق الحدث، والتي تعرض رسمًا لثقب أسود ضخم يقع في قلب مجرة “M87″؛ وهي مجرة بيضاوية عملاقة تقع على بعد 55 مليون سنة ضوئية عن الأرض. وقال بوردريك: «إن طيف الثقب الأسود موجود، وهو دائري تقريبًا، وتلائم كتلته المتوقعة التقديرات بسبب دينامكية النجوم التي تبعد عنه مئات آلاف السنوات الضوئية».
تزن كتلة الثقب الاسود المرصود ما يعادل 6.5 مليار كتلة الشمس، وهي تُعتبَر ضخمةً للغاية مقارنةً بمعايير الثقوب السوداء الضخمة، فيزن الثقب الأسود الضخم الموجود في قلب مجرة درب اللبانة حوالي 4.3 مليون ضعف كتلة الشمس. ويشير بوردريك إلى أن هذا لا يُعتبَر الاختبار الأول الذي تنجح النسبية العامة في اجتيازه، فقد نجحت النظرية في اجتياز عدة تحديات خلال القرن الماضي.
تنبأت النظرية، مثلًا، أن الأجسام الضخمة والمتسارعة تولد تموجاتٍ في نسيج الزمكان، يطلق عليها موجات الجاذبية. أُثبت وجود موجات الجاذبية، عام 2015، من خلال (مرصد ليزر موجات الجاذبية التداخلي – Laser Interferometer Gravitational Wave Observatory) (LIGO)، والذي التقط تموجات ناتجة عن اندماج ثقبَين أسودَين (لم يكن الثقبان الأسودان من النوع الضخم جدًا، فقد بلغت كتلتهما معًا بضعة أضعاف كتلة الشمس). لذا فإن إثبات صحة تنبؤ آينشتاين عن أفق الحدث لم يكن مفاجئًا. يصرح أعضاء تلسكوب أفق الحدث أن إثبات صمود النسبية العامة في مجال غير مدروس حتى يومنا هذا، يمتلك قيمةً عظيمةً.
وقال شيبيرد دويلمان، مدير تلسكوب أفق الحدث من جامعة هارفرد ومركز هارفرد سيمثسونيان للفيزياء الفلكية، خلال المؤتمر الصحفي الذي عُقد لإطلاق الصورة الأولى للثقب الأسود: «أكد عمل فريق تلسكوب أفق الحدث على نظرية اينشتاين بعد تطبيقها بشكلٍ عملي».
تقارير : سماعات البلوتوث تسبب السرطان
الأحد، 31 مارس 2019
مكيافيلي الأب الروحي لدكتاتوريات..ملخص كتاب "الأمير"
شارك في 24 بعثة سفارية، بينها 4 لفرنسا وعدة بعثات لروما واحدة منها للإمبراطور ماكسيميليان.
انتخب سكرتيرا للمستشارية الثانية لجمهورية فلورنسة التي تشرف على الشؤون الخارجية والعسكرية. قضى 13 سنة في الحكم إلى أن جاء الجيش الفرنسي من جديد إلى فلورنسا.
هو واحد من رواد عصر النهضة الأكثر تأثيرا في العالم الجديد الناهض من رحم العصور الوسطى. بل وأصبح فيما بعد الشخصية الرئيسية والمؤسس للتنظير السياسي والواقعي.
كانت محاولته في السياسة والحكم أولى الخطوات الحقيقية لتجاوز الفكر الديني في زمن القرون الوسطى الذي كان اللاهوت والكنيسة مسيطرة فيها.
أشهر كتبه "الأمير"؛ بعيد موته بسنوات خمس، نشر الكتاب سنة 1532م، وهناك طبعة أخرى سنة 1584م.
وعن أسباب وظروف تأليف الكتاب نقرأ (من الصفحة 5 إلى الصفحة 53 من نسخة الكتاب التي اعتمدنا عليها)، ويمكن تصنيفه إن صح القول بما عرف في العصور الوسطى الإسلامية بـ" الأدب السلطاني" وأدب "نصائح الملوك" فكتاب مكيافيلي هو الآخر كتاب "نصائح الأمير" بشكل ما، حين أهدي الكتاب إلى "لورنزو الجديد" أحد أفراد آل ميديتشي.
كتاب غني بالتمثيلات القديمة والمعاصرة أو الناتجة عن تجارب ميكيافليي المباشرة في عالم الحكم والسياسة (13 سنة من ممارسة السياسة)، وكثافة "التمثيل" تدل على تبحر مكيافيلي في كتابات الأقدمين وهو يخط كتابه الأمير. ومن جهة أخرى فهو يضرب الأمثلة بالقوى المعاصرة مثل فرنسا إنجلترا وتركيا النموذج الممكن من أجل إيطاليا الممزقة.
الأمير إذن كتاب جاء عن اجتهاد في قراءة كتابات الأولين وتمحيصها في أجواء المنفى الرتيبة. كما أن لا أحد يختلف حول دقة أفكاره وبساطة أسلوبه وعمق نظريته وواقعيته ومباشرته وإيجازه أيضا. لكن ومع ذلك فيمكن تصنيف منهجيته مع السهل الممتنع، حيث اتسمت أفكاره بالعمق والدقة.
تعرض كتاب الأمير "لسوء فهم كبير"، ولسوء استقبال خصوصا من الأدباء والساسة الإنجليز والفرنسيين وكذلك من الوسط الكنسي، بل تعرض للتوظيف القدحي في نصوص ومسرح الإنجليز.
ولم يبزغ نجمه إلا مع فلاسفة الأنوار،(روسو، فيخته، هيغل...) حيث بدأ الإطراء يتواصل. ومن طرف ساسة القرن 20، حتى أن موسوليني اختار الكتاب ليكون موضوعا لأطروحته للدكتوراه، وهتلر كان يتوسده تحت مخدته ويقرأ منه كل ليلة. بل أصبح الكتاب المدرسي الذي لا بد منه أو بمثابة كاطالوغ سياسي للعمل في دواليب السياسة واقتحامها...
من هو الأمير؟ وكيف ينبغي له أن يكون؟ يعدد لنا مكيافيلي جملة من الصفات التي لا بد للأمير أن يتحلى بها وسنجملها في هذه السلسلة المتتالية من الصفات التي حظ على تواجدها في الأمير المثالي:
وعلى الأمير أن لا يستهدف شيئا أكثر من التفكير في الحرب ودراسة الحرب إذ عليه أن "لا يفكر أو يدرس سواها". "إذ هي الفن الوحيد الذي يحتاج إليه كل من يتولى القيادة".(ص 131) وأهمية التمرس عليها ودراستها أيام السلم أكثر من أيام الحرب،(ص 132-134)لا يعدلها أي شيء آخر. وينصح بالتدرج في سلك الجندية والتي هي قاسم مشترك للوصول إلى الإمارة، بل والتألق في سلك الجندية للوصول إلى الإمارة.(ص 98)
ويؤكد على ضرورة المعرفة،(ص 65) وعلى كسب الأصدقاء،(ص 94) والحفاظ على صداقة الملوك والأمراء.(ص 94) كما يؤكد يؤكد دائما إلى ضرورة خطب ود الشعب لأنهم المخرج الحقيقي في الحروب والمصائب.(ص 90) وخلق نخب جديدة مع كل إمارة جديدة من العسكريين والمدنيين.(ص 100)
وإلى هنا تبدو الأمور طبيعية، والنصائح منطقية إلى أن نصل إلى نصائح تحمل من التناقض حد التعارض، في شكل ثنائيات متضادة يطالب مكيافيلي الأمير بتوفرها من أجل التميز والنجاح:
- والشهامة والتحرر.(ص 94) (ص 94)
- فرض الحب أو الخوف على رعاياه.(ص 94)
- الاحتلال بالقوة والخدعة.(ص 94)
- القضاء على المتطوعين القدامى وخلق قوة جديدة.(ص 94)
- إدخال البدع بدل العادات القديمة.(ص 94)
- بسط الاحترام والتبعية على جنوده.(ص 94)
- من الأفضل أن يخافك الناس على أن يحبوك. إذا توجب عليك الاختيار بينهما.(ص 144)
- على الأمير أن يفرض الخوف منه بطريقة، يتجنب بواسطتها الكراهية، إذا لم يضمن الحب، إذ أن الخوف وعدم وجود الكراهية قد يسيران معنا جنبا إلى جنب".(ص 144)
- النكث بالعهود والغاية تبرر الوسيلة.
- النذالة.
- تخريب المدن العتيقة.
- تحطيم طبقة النبلاء.
- حتى أنه في نصائحه للأمير الناجح، يحذره من الطيبة المستدامة ويطلب منه استعمالها حسب الظروف والحالات التي يواجهها.(ص 136)
- وأن من يتقن الخداع، لأنه سيجد دائما أولئك الذين هم على استعداد لأن تنطلي عليهم خديعته.(ص 149)
- بل يذهب بعيدا قائلا أن الوصول إلى الإمارة يمكن أن يتم عن طريق النذالة والقبح،(ص 96) ذاكرا لمزايا النذالة وإعطاءه فيها مثالين قديم ومعاصر في (الفصل 8). إذ النذالة هي السبيل الثالث للوصول إلى الإمارة.(ص 96) بعد الحظ وحب الناس!
- وعلى الأمير الذي يرغب في الحفاظ على دولته أن يرتكب الشر أحيانا إذ الكراهية قد تنجم عن الأعمال الطيبة بقدر ما تنجم عن الأعمال الشريرة.(ص 159)
- وأمام ضياع الدولة لا ينبغي للأمير أن يكترث بوقوع التشهير.(ص 137)
- ومن الممكن إخلاف الوعود، إذا كانت أو أصبحت مضرة بالأمير.(ص )
- وعليه تدمير كل من يلحق به الأذى.(ص 94)
- والأمير الذي يريد التحكم في الأمور لابد له من الحيلة والمكر.(ص 90)
- ولابد من البدء بالمكر للوصول إلى العدل مع الشعب.(ص 90-91)
- وفي تعريفه للسخاء والبخل، له منطق أصيل ومختلف لمعنيي السخاء والبخل.(ص 138-141)
فالبخل يكون من أجل تسهيل الحياة على الشعب!(ص 139) ثم إن كثرة السخاء تؤدي بالأمير إلى الفقر ومن تم إلى فرض ضرائب على الشعب.(ص 138) و في طريق الأمير إلى الإمارة لا بأس بالسخاء.(ص 140) لكن حين الوصول إلى الإمارة يكون السخاء مضرا. ويمكن إنفاق أموال الغير أما الأموال الشخصية فلابد من الاحتفاظ بها. وسخاء الأمير على الجيوش ضروري ليتبعه جنوده.(ص 141) وليس هناك أشد ضررا على نفس الأمير من الجود والكرم إذ باستعماله له يفقد القدرة على استخدامه.(ص 141)
- والأغرب من ذلك كله أنه إذا لم تكن هذه الصفات متوفرة في الأمير فعليه على الأقل التظاهر بها!...
فنجده لذلك يختار نموذجا للأمير الجيد؛ فيختار "قيصر بورجيا". حتى أنه أفرد له فصلا كاملا يعدد فيه صفاته ومزاياه(الفصل 7)، فما السبب في ذلك؟ لابد من مميزات ومبررات؛ بالطبع هناك صفات جعلته يختاره ويجعله نموذجا للأمير الذي تحتاجه إيطاليا، فقيصر بورجيا؛ اقترف جرائم كثيرة، اختار ليوناردو دافنشي المهندس ذو المواهب الفائقة، اختار الجنود من الأهالي وهي أفكار كان يناضل من أجلها مكيافيلي.
لهذا فدوق بروجيا نموذج للأمير الجيد، إذ وجد فيه المواصفات التي يجب أن تكون في كل أمير ناجح؛ خصوصا في عصر اللاإستقرار، القلاقل، الانقلابات، الغدر، الخيانة، القسوة... يطلب من الأمير أن يتميز بالحيطة، الحذر، الحيوانية في القتال، اللاإنسانية في التعامل، البطش، الخيانة، النكث بالعهود والمواثيق...
وقد رأينا في نصائحه للأمير كيف يحثه على تعلم فن الحرب، وأهمية التمرس ودراسة الحرب أيام السلم أكثر من أيام الحرب.(132-134) إذ لا بد من التهيؤ بشكل جيد ساعة السلم وساعة هدوء القدر والتخطيط والاستعداد له وتلك هي الإرادة التي تكبح أخطار القدر.
فالحرب إذن عند مكيافيلي هي فن العصر الشريف للأمير، والمسار المضمون من أجل التألق والإمارة والحكم من طرف المواطنين وأبناء الشعب وأبناء الأمراء على السواء.
حتى أن ازدراء فن الحرب يكون السبب الرئيس في ضياع الدول وفقدها، والتمرس فيه وإتقانه هو السبيل إلى الحصول على الدول والإمارات.
فليس هناك ثقة لدى مكيافيلي من غير سلاح، لا بد من السلاح والافتقار إليه يعرض إلى المهانة والاحتقار.(ص132) وحتى الأصدقاء ودفع عدوان الخارج لا يتوفر إلا بتوفر السلاح والقوة.(ص 153)
رسم مكيافيلي علاقة جدلية بين القانون والقوة وكانت نظرته للأمر هي الأخرى أصيلة و جديدة. ففي تفسيره لهذه العلاقة وطبيعتها يقول مكيافيلي أن خير القوانين بالنسبة لجميع الدول هو أن يكون لها: قوانين جيدة وأسلحة قوية. وأن القوانين توجد حيث تتوفر الأسلحة القوية، لذلك يقول مكيافيلي أنه سيركز بحثه في موضوع القانون والأسلحة. فهو يربط إذن وجود القوانين الجيدة بتوفر القوة الكافية.(ص 117)
ومن مزايا القوة أنها تتدخل في تطويع الشعب إن توقف عن تقديم الطاعة للأمير (لأن النبي الأعزل فاشل)، وتطبيق القوانين يتطلب القوة، وكذلك يتطلب القوة الذاتية أي الكفاءة الشخصية لضمان استمرار السلطة والسيطرة.(ص 83)
والقاسم المشترك في ضياع المدن والدول من الأمراء الإيطاليين يتعلق بقوتهم العسكرية، ثم عداء الشعب ثم لا يستطيعوا الاعتماد على حب النبلاء وولائهم.(ص 188)
والدولة الموحدة عموما هي دولة قوية، لذلك ارتباط القوة والبطش بخلق كيان موحد و قوي فـ"عندما تفتقر الدولة إلى السلاح الكافي، تنعدم القوانين الجيدة".
وهناك طريقتين للقتال يقول مكيافيلي: القانون والقوة. وعلى الإنسان أن يلجأ إلى الطريقة الثانية الطريقة الحيوانية!(ص 147) ولكن يبقى من الأفضل استعمال الطريقتين معا.(ص 148)
إن القوة لدى مكيافيلي فوق القانون من أجل الحصول على كيان قوي.(ص 41) لكن الإشكال هل مؤقتا أم دائما حتى بعد الحصول على الدولة القومية القوية؟
كيف كان يرى مكيافيلي القسوة في علاقتها بالأخلاق؟
السياسة والأخلاق لدى مكيافيلي علاقة حرب دائمة. ويمكن أن نستنتج أن ليس هناك أخلاق في السياسة لدى مكيافيلي، معناه مباشرة أنه لا رحمة ستكون في المؤسسة العسكرية وأعمال الحرب.
لقد وصف مكيافيلي "السم كدواء لإيطاليا"، وهو تعبير في غاية الأهمية يلخص الهدف الحقيقي لمكيافيلي من كل هذه القسوة العارمة التي طالب بها. حتى أنه في إحدى النقط المثيرة في الكتاب لا يناقش الفظاعة التي تحدثها الجيوش في الحرب، بل يناقش الطريقة التي ارتكبت بها الأعمال الفظيعة! وهل كانت الطريقة حسنة التنفيذ أو رديئة!؟(ص 100-101)
وكجواب على السؤال الذي طرحناه حول القوة والأخلاق؛ فمكيافيلي كان مع تناقص أعمال العنف وفظاعتها مع مضي الوقت وليس العكس. إذن مكيافيلي لا يحبذ العنف والشر المطلق، هكذا بدون توقف، بل كمرحلة أولى وبعدها يتم التوقف عنها.(ص 101) بل يذهب إلى اقتراح الضربة الواحدة والحاسمة في أعمال القتل والتدمير وعدم العودة إليها، وبعدها إصلاح أمور رعيته بالرحمة والعدل.(ص101) لكن وإذا كان الشر يجرع ضربة واحدة فإن المنافع يجب أن تمنح قطرة فقطرة. حتى يشعر الشعب بمذاقها ويلتذ بها.(ص 101)
ويبدو أن الجو المشحون، الحروب اللامتوقفة، التناحر والخيانات والغدر وضغوط الكنيسة، جيوش المرتزقة، النفي والوشايات، عنف المرحلة بشاعة الحروب والسجون والانتقام... كلها أمور أثرت ووسمت كتابة مكيافيلي لتاريخ الفترة وأثرت على مقترحاته و نظرته للأمور. لذلك فالغاية تبرر الوسيلة إذ كان مكيافيلي يسمح باستعمال الحسن للشر.(ص 101)
لا أحد ينكر بوادر القومية الأولى في كتاب الأمير حين يقرأه.(ص 142) إذ نتلمس بعضا من هذه البوادر من خلال عديد من الأفكار التي نادى بها. فهو يعطي نموذجا بالقسوة التي جاءت بالنظام والوحدة إلى رومانا وفرضت عليها الاستقرار والولاء.(ص 145) ويعطي لقب الصارم للأمير لكي يبقى على جيشه موحدا.
وفي تحليله لجدلية التشتت والقوة بالنسبة لإيطاليا فإنه يقول؛ أنه في الزمن الماضي، زمن التجزئة والتشتت ربما كان صالحا لإيطاليا ذلك الوضع. أما إيطاليا الحاضر حاضر مكيافيلي فيجب أن تتغير الأمور وتتوقف التجزئة لأن العدو سيتمكن بسهولة من احتلال هذه المدن المجزأة الضعيفة.(ص 169) إنه رأي واضح من أجل تجميع ولم شتات الدولة الإيطالية في كيان جغرافي وإثني وديني وسياسي واحد.
ويسترسل مكيافيلي كما عودنا على طول صفحات الكتاب بالتمثيل للأمر بالدول المعاصرة له فيقول؛ إذا تم ضرب العائلة التركية سهل انقياد الشعب.( ص 73) ويعطي مثالا أو مقارنة بين دور السلطة المركزية الغريبة عن الشعب (تركيا) ودور الشتات السياسي (فرنسا). مفسرا ذلك بأنه من الصعوبة احتلال بلاد الترك ومن السهولة الاحتفاظ بها، أما فرنسا فيسهل احتلالها لكن يصعب الاحتفاظ بها. فالحكم بأناس محليين أو أناس من طرف الدولة المستعمرة يكون له دور كبير.(ص 72) فالسلطنة التركية يحكم مناطقها المحتلة أناس أتراك، أما فرنسا فتحكم بنبلاء يعترف بهم أبناء رعيتهم. لذلك يصعب احتلال تركيا ويسهل الاحتفاظ بها، أما فرنسا المشتتة يسهل احتلالها لكنها محكومة من طرف أناس تربطهم علاقة بالشعب فيصعب الاحتفاظ بها... (التفاصيل في ص ص 72- 74).
يوضح مكيافلي وجهة نظره في هذه النقطة فهو مع الفعل وليس مع الحياد، فإعلان العطف على الإنسان، والعداء لإنسان آخر لا ريب أنه دائما أفضل من البقاء على الحياد.(ص 176)
وهو مع الحرب إذ الحرب "أمر لا يمكن تجنبه وإنما يمكن تأجيله وغالبا ما يكون التأجيل في صالح الجانب الآخر" (ص 65) وهو ضد التأجيل في الحرب مبدأ الخير والشر في زمن التأجيل.(ص 65-66)
فالتأجيل في الحرب مسألة مضرة للدولة مفيدة للعدو.(ص 69)
"موسوليني" يسجل تشاؤم مكيافيلي العنيف فيما يخص الطبيعة البشرية. تساءل موسوليني قائلا ما البشر في المذهب السياسي لمكيافيلي؟ ما فكرته عن البشر؟ هل يتفاءل أم يتشاءم؟
ولكي نتعرف على مفهوم مكيافيلي عن البشر والإنسان؟ ونتعرف على علاقة الحكم السلبي على البشر وعلاقته بنظرية الحرب؟ فإننا نجد أن حكم مكيافلي على البشر مسألة جوهرية في كتاب الأمير وليس مسألة عارضة. كما نجد عنده أيضا نزعة شمولية و إنسانية في موقفه من البشر في عموميتهم وليس سكان المدن الإيطالية فقط.
يقول ميكيافلي في بعض من أحكامه التي تعبر عن طيبعة هذا الموقف. موقفه من البشر في عموميتهم؛ "إذ من السهل على الإنسان أن ينسى وفاة والده، من أن ينسى ضياع إرثه وممتلكاته".(ص 145) إذن هو يركز على الطبيعة البراغماتية للإنسان في مجملها أكثر من تأشيره على الجانب العاطفي و الإنساني لهؤلاء البشر.
لكن لا ينبغي أن ننسى عموما أن مكيافيلي كتب في ظروف النفي والإبعاد القسري عن السلطة وتقلد المناصب، وعانا من المناوشات والصراعات السياسية والخصوم، ومن ضغوط وتعنت الكنيسة... فكان لابد أن تخيم هذه الأجواء على تصوره للإنسان ونظرته له على العموم.
قد تكون النقطة المضيئة البارزة في فكر مكيافيلي، لكن لصالح الأمير وليس لسواد عيون الشعب. وتبقى فكرة أصيلة لدى مكيافيلي تبرز دور الشعب وتلاحمه مع القادة في أمر الحفاظ على تحرر وحماية البلاد. وهذه مسألة طبيعية إذا فهمنا أن مكيافيلي كان يريد "دولة قومية" متماسكة وقوية.
والتأكيد على عنصر الشعب له أسبابه العميقة في المعادلة السياسية والعسكرية؛ فالعلاقة بين الأمير وشعبه هي التي تحدد هل يضع القلاع ويهتم بها أم لا؟(ص 172) حتى أن المراهنة على حب الشعب.(ص 106) تصبح مسألة حيوية وضرورية.
وفي الحرب فالخطر المحدق والمنتظر يوحد الشعب مع القائد والأمير.(ص 111) حتى ليصبح الشرط الأساسي في منطق الدفاع هو ضمان حب الشعب للأمير.(ص 111) بل ويصل الأمر حالة التعارض بين الجيش والشعب بالنسبة للأمير؛ فإن على الأمير مراعاة أن أسبقية إرضاء الشعب مقدمة على العسكر لأن في وسع الشعب أن يعمل أكثر من الجنود.(ص 164) حتى أنه من الأفضل أن يكون الشعب مؤيدا لك حتى يساندك في احتلال بلد ما،(ص 63) حتى ولو كان هذا الشعب شعبا تحتل أرضه.
فلشعب قيمة كبرى في معادلة الحكم، إذ لا بد أن يكون الشعب راضيا محبا ليأمن جانبه.(ص 155) وبالتالي تجنب مسألة الاحتقار والكراهية من طرف الشعب، وهذا له مغزاه لما للشعب من أهمية كبرى في التوازنات.(ص 152-166)
أما في ما يتعلق بالشعوب المحتلة فمكيافيلي يقترح خطة لإحكام القبضة عليها؛ إما بتجريدها من كل شيء وأمن جانبها، أو انتقال الأمير للعيش معهم. أو تركهم في قوانينهم وخلق حكومة تابعة.(ص 76) (وتذكر أن هذه المسألة بسياسة ليوطي في المغرب).
كما يميز لنا مكيافيلي نوعين من الشعوب؛ إذ هناك الشعب الذي لم يعتد العيش في الحرية وهو بطيء في العصيان، ومن السهل كسبه إلى صف الأمير.(ص 77-78) عكس الجمهوريات التي تتميز بالحيوية والكراهية البالغة والرغبة العنيفة بالثأر، ليس من السهل التحكم فيها، و "أضمن سبيل هو إما تدميرها تماما أو الإقامة فيها".(ص 78)
لقد تراوحت المصطلحات بين "حسن الطالع"، "الصدفة والفرصة"، "الكفاءة والمواهب"، "السعد والنحس"، "الصرامة والبأس"... إنها مفردات العصر الوسيط.
لكن أكثرها بروزا وقلقا وتشويشا وصراعا في فكر مكيافيلي هي المتعلقة بـ"الحظ وحسن الطالع"؛ هذا العنصر المشاغب لا بد وأنه أتعب ميكيافلي في الحديث عنه وتفسير علاقته بالأحداث وبالسياسة والحرب، وعموما فمفهوم الحظ يبقى مفهوما غريبا، لا ينسجم مع واقعية مكيافيلي،(ص 113) فعلى طول صفحات الكتاب يتقاسم الحظ وقسوة الأمير حصة الأسد في التحليل المكيافيلي؛ ويبدو أن الأمور الغيبية كانت تضايقه وتضغط عليه في التحليل والتنظير. لذلك نجده يفرد لها الفصل ما قبل الأخير ليعطي موقفه منها.(ص 190-195) فصل حول "أثر القدر في الشؤون الإنسانية وطرق مقاومته".(ص 191) ونجده يعطينا تمثيلا رائع جدا للعلاقة بين القدر والإرادة؛ مشبها القدر بالنهر الجارف والإرادة بسدود تقام لكبح جماحه.
وفي تصويره الرائع للحظ يقول مكيافيلي "الحظ كالمرأة، إن أردت السيطرة عليها فعليك أن تغتصبها بالقوة. وهي بدورها تسمح بامتلاكها للرجل الشجاع، لا لذلك الذي يسير بتمهل وأناة. والحظ شأنه في ذلك شأن المرأة، يميل دائما إلى الشباب لأنهم أقل حذرا وأكثر ضراوة، ويمتلكونه بقحة وجرأة".(ص 195) بل يظهر مدى حضور عامل الحظ لدى مكيافيلي إلى درجة أن الحظ يدخل في صفات الأمير، فالحظ والقدر يدخل في التأثير على نجاح الأمير أم فشله رغم مجهودات الأمير أحيانا. ومن ثم الإيمان الكبير بسوء الطالع منذ البداية ومنذ الصفحة 53، أولى صفحات كتاب الأمير؛ حتى أنه يتحدث عن سعد طالع لورنزو وسوء طالعه هو!
- لكن مسألة الحظ مسألة غير شريفة وغير محبوبة من طرف مكيافيلي، فنجده يقول"أولائك الذين رفعهم الحظ ورفعتهم سواعد غيرهم إلى مناصب السلطان". (ص 25)
- حسن الطالع والكفاءة الشخصية.(ص 55)
- سوء الطالع. (ص 57)
- سوء الطالع.( ص 61)
- القدري.(ص 112- 113)
- الحظ. (ص 170)
- الطالع. (ص 177)
- بأن لا يعتمد على جيوش الآخرين وطوالعهم! (ص 89)
- الكفاءة البالغة والطالع الحسن. القدرة والكفاءة مقدمة على حسن الطالع في امتلاك الممالك.(ص 80)
- القتال في أوقات السعد وفي فترات النحس.(ص 145)
- احتلال الممالك بمساعدة الآخرين أو بمساعدة الحظ.(ص 85)
- الوصول إلى الإمارة بالكفاءة وبحسن الطالع.(ص 86)
- سوء الطالع هو السبب في ضياع ملك أبيه. رغم اجتهاده وأساسه المتين في العمل والبناء للدولة.(ص 87)
- يرجع فشل قيصر بورجيا في الاحتفاظ بملكه لسوء الحظ.(ص 81)
- الحظ في إعلاء أمير على آخر.(ص 170)
- الناس الذين أضاعوا دولهم لا يجب أن يلوموا الحظ، بل تواكلهم أيام الرفاه والسلام بأن الأمور قد تتغير.(ص 188)
إن القارئ لكتاب الأمير لا بد وأن يكتشف أن مكيافيللي في الأعم الغالب بقي وفيا للفكر الروماني لعصره لم يتجاوزه بل دقق في بعض من حلول الدولة التي يريدها أن تكون. مثله في ذلك مثل ما فعله ابن خلدون قبله خلال التعاطي لقضايا عصره. فالفكر الروماني هو المسيطر، ففي تفسيره للنذالة يتحدث عن صعود "أماتوكليس الصقلي" العرش، وهو من أحط الطبقات وأدناها في بلاده.(ص 96-97)
ومن الأمور أيضا التي تثبت وفاءه وخضوعه ولو النسبي للفكر الديني؛ نجده يتحدث عن أسباب وصول الأمراء الدينيين ويقول عنها أنها "أسباب رفيعة لا يستطيع العقل البشري الوصول إليها، فسأتجنب الحديث عنها، إذ أن كون الله هو الذي يمجدها ويحافظ عليها، يجعل من السخف والحماقة، البحث فيها".(ص 113)
ثم نجده يحسم الأمر في أن الإمارات الكنسية يتم احتلالها إما: بالكفاءة أو الحظ.( 113-114) إن جانبا كبيرا من الفكر الديني اللاهوتي، كما ونفس الأمر لهامش كبير من الفكر اللاعقلاني في تفسير الأمور كان مسيطرا على مكيافيلي، كما أن وضعية إيطاليا المبلقنة والمشتتة جراء الإرث الروماني الثقيل والتي لم تعرف اختلافا كبيرا حتى عن إيطاليا أو ألمانيا القرن 19م، كانت تحرك مكيافيلي وتتحكم في توجيه كثير من آراءه من دون شك.
لم يكن لمكيافيلي القدرة على تغيير ما فشلت فيه إيطاليا لأربعة قرون أخرى بعده إلى أن جاء موسوليني ليطبق ما قاله مكيافيلي نظريا على مستوى أرض الواقع...
لن نبخس الرجل حقه، فحتى إن لم يستطع تغيير واقع إيطاليا الكنسي والقومي، إذ يكفي على الأقل أنه كان من أوائل من نظر إلى الدولة بعين التجربة والواقع وليس بعين الدين واللاهوت المسيطر في تلك الآونة. ولا ننسى أيضا أن الجيش في عهد مكيافيلي كان نقطة تنافس بين الكنيسة والأمير.(ص 87-88) فكان من الصعب على الرجل تحرير الدولة والجيش من قبضة الكنيسة وبالتالي إنقاذ إيطاليا من مصير التشرذم والتشتت...
لقد أشار الرجل مبكرا في تاريخ إيطاليا وأوربا وبكل جسارة أن الكنيسة عائق من عوائق الوحدة الإيطالية وهي في نظرنا علمانية مبكرة.
بل نجده يوبخ الإيطاليين ويلومهم على أنهم لا يفهمون في السياسة، إذ لو كانوا يفهمون شيئا في شؤون السياسة، لما سمحوا قط للكنيسة بأن تصل إلى هذه الدرجة من العظمة.(ص 70)
لم يكن من السهل على مكيافيلي أن يكون معارضا أو ضد الكنيسة أكثر مما فعل، يكفي أنه رفض كنسيا وتعرض للمنع سنة 1959م، وقررت محاكم التفتيش إحراق جميع كتبه.
فكرته حول "الجيش المحلي" فكرة أصيلة أخرى في الكتاب، حتى أننا يمكن أن نعتبرها أهم فكرة في الكتاب كله. لقد خصص فصلا كاملا لجنود المرتزقة.(من ص 117 إلى ص 124) فأول شيء ينبغي أن يكون بعد توطيد الحكم هو إعداد قوة عسكرية خاصة.(ص 91) حتى أن القاعدة العامة التي ينذر أن تخطئ وهي أن من يسعى الأمير إلى تقوية غيره فيحكم على نفسه بالخراب والدمار، إذ أن هذه القوة إنما تجيء عن أحد طريقين إما الحيلة أو القوة العسكرية وكلتاهما يكونان موضع الشك، عند ذلك الإنسان الذي ارتفع إلى مرتبة القوة والسلطان.(ص 70)
لكن علينا التعرف على أسباب رفضه لجيوش المرتزقة وللجيوش الإضافية؟
لقد تعرض كثيرا لمشكلة الجيش غير المحلي،(ص 88) ونجده يضرب لنا أمثلة لمخاطر جيوش المرتزقة.(ص 120) ففي حديثه عن المرتزقة والرديف يقول هي "قوات غير مجدية بل ينطوي وجودها على الخطورة، وإذا اعتمد عليها أحد الأمراء في دعم دولته، فلن يشعر قط بالاستقرار أو الطمأنينة."(ص 118) والأمير الذي يعتمد عليهم يتعرض أيام السلم للنهب من المرتزقة، و في أيام الحروب للنهب من العدو"، ولعل السبب الرئيس هنا هو "افتقار المرتزقة إلى الولاء."(ص 117)
نفس الأمر بالنسبة للقوات الإضافية فهي لا تختلف عن المرتزقة في لا جدواها.(ص 125) بل هي "أكثر من المرتزقة، لأن الدمار معها غالبا ما يكون كاملا".(ص 126) حتى أن النصر الذي يتم بفضل القوات الأجنبية لا يمكن أن يعتبر نصرا.(ص 127)
ويخلص مكيافيلي إلى أن الأمير الذي لا يعتمد على قواته الخاصة، هو أمير يعتمد كلية على حسن الطالع.(ص 130) إذ "ليس هناك أضعف من الإنسان الذي يعتمد في قوته على قوة الآخرين".(ص 130) بل إن الدمار الذي أصاب إيطاليا نجم عن شيء واحد، هو اعتمادها لسنوات طويلة على جيوش المرتزقة. (ص 118) لأنهم استغلوا الفرصة ودخلوا إيطاليا أيام الحروب الأهلية بين المدن المتفرقة وخلال صراع الكنيسة مع أمراء المدن.(ص 123) بل ويذهب مكيافيلي إلى أبعد حد قائلا "وإذا درسنا السبب الأول، من زوال الإمبراطورية الرومانية تبين لنا أنه ناجم عن استئجار رومة لمتطوعة القوط إذ بدأ الضعف منذ ذلك التاريخ، ينسل إلى قوة روما وعظمتها، لأن القوط أخذوا يستأثرون بجميع المنافع التي تغدقها الإمبراطورية على العاصمة".(ص 103) ولعل آخر جملة في الفصل تدل على الموقف الحاقد لمكيافيلي من المرتزقة حيث نجده يقول "وهكذا حطوا من شأن إيطاليا، وألحقوا بها العبودية والانحطاط".(ص 124)
ويعطينا مكيافيلي لمحة كما عودنا في كثير من مواضع الكتاب نماذج من المحاولات الأولى في التاريخ للتخلي عن جيوش المرتزقة:
فمن أسباب إعجابه بـ "قيصر بورجيا" هو أنه قضى على المرتزقة واعتمد على القوات التي ألفها بنفسه.(ص 127) كما يشير إلى أن "هيير السيراقوزي" أيضا مزق المرتزقة شر تمزيق.(ص 128)
بل نجده يستعين حتى بـ"التوراة" لإقناعنا بضرورة اعتماد المرء على أسلحة المرء الشخصية وليس على أسلحة وقوات الآخرين.(ص 128) لأن "أسلحة الآخرين إما أن تخيب ظنك أو تفشل، أو تحملك ما لا طاقة لك به، أو تشل حركتك في القتال".(ص 128) ويحكي لنا كيف تمكن الملك "شارل السابع" والد الملك لويس الحادي عشر بفضل حسن طالعه وشجاعته من تحرير فرنسا من الإنكليز.(ص 128) لأنه أدرك الحاجة إلى التسلح بقواته العسكرية الخاصة.
أمثلة كثيرة يستقيها لنا من التاريخ ليقنعنا بلا جدوى جيوش المرتزقة وبضرورة إنشاء جيوش شعبية خاصة. ويضرب لذلك أمثلة عديدة لتفاهة الاعتماد على غيرها من جيوش المرتزقة أو جيوش الدول المجاورة.
فنستفيد أمرين؛ نظريا كان أكبر من حث على ضرورة الاعتماد على جيوش شعبية محلية والاستغناء عن الجيوش الأجنبية والدخيلة. وثانيا نماذج مبكرة لدول وأمراء استغنوا على جيوش الاسترزاق والأجانب والاعتماد على جيوش محلية من الشعب. أو كما يسميها مكيافيلي "القوات الوطنية الأصلية".(ص 129)
نقطة أصيلة في الميكيافلية حديثها عن ضرورة توفر "جيش وطني". وانتقاده لجيوش المرتزقة والقوات الإضافية والمختلطة.(ص ص 117-130) وهو يوظف هذه الصفحات الطوال لتوضيح تفاهة الاعتماد على غير الجيوش الأصلية الشعبية والوطنية. وكما أفرد فصلا خاصا عن نموذج الأمير فهو يفرد فصلا خاصا أيضا للتعريف بجيش المرتزقة وإظهار عيوب ذلك على الدولة وعلى البلاد.
هل كان يريد أن تبقى إيطاليا بشتاتها السياسي يحكمها أمير واحد حتى يصعب على المحتل الاحتفاظ بها في حالة الحرب؟ الجواب هو بالطبع؛ لا... لأنه كان يبحث عن القوة والوحدة لإيطاليا.
يتحدث عن حالة الدفاع والوضعية الإيجابية للمدافع قائلا؛ فالأمير الذي لا يستطيع خوض المعارك ضد الأعداء فيضطرون إلى اللجوء إلى داخل أسوارهم، واتخاذ موقف الدفاع، وعليه تزويد مدينته بالمؤن، وتقوية وسائلها الدفاعية، إذ لا ريب أن الأعداء سيترددون في مهاجمة الأمير الذي يجيد تحصين مدينته ويحسن إدارة حكومة رعاياه، فقط عليه إجادة الدفاع عن مدينته، ومقابله رعاياه بالحب.(ص 109-110)
وهو في حديثه عن مزايا الدفاع نجده يستشهد بنموذج ألمانيا، ومدنها المنيعة التحصين وصعوبة القضاء عليها واحتلالها هي فكرة أصيلة لمكيافيلي قبل "كلاوزفيتز"، الأمر الذي يجعل من مكيافلي رائد فكرة أفضلية الدفاع عن الهجوم.(ص 110)
إذ يستحيل يقول مكيافيلي على مهاجم أن يستمر مهاجما مدينة مدة سنة كاملة.(ص 111) وفكرة أو نظرية صلاحية الدفاع لإيطاليا في ضل ظروف التشتت السياسي الذي تعيشه، فكرة متميزة أخرى يؤكد عليها مكيافيلي بطريقته، بحيث يتحدث عن قوى العدو المنهارة لطول الحصار مقابل ارتفاع معنويات المدافع (إذ المهاجم سيضطر للتراجع وقد لحق به العار).(ص 111)
أما مسألة "القلاع" لدى مكيافيلي قد تكون نافعة أو غير نافعة وفقا للأوضاع والأزمنة. ويفسر الأمر كالتالي: "إن على الأمير الذي يخشى شعبه أكثر من خشيته للأجانب أن يقيم القلاع أما الأمير الذي يخشى الأجانب أكثر من شعبه ففي إمكانه أن يستغني عنها. ولذا فإن خير قلعة يقيمها الأمير تكون في أفئدة شعبه، إذ على الرغم من إقامتك للقلاع فليس في وسعها حمايتك إذ كان شعبك يكرهك".(ص 172) ويختم بشكل رائع حين يقول "ولهذه الأسباب كلها، فإنني أطري كل من يقيم القلاع، وكل من لا يقيمها، وأوجه اللوم إلى كل من يضع فيها جماع ثقته، فلا يكترث بكراهية شعبه أو حبه".(ص 173) إذ أقوى القلاع وأنفعها لدى مكيافيلي تتجلي في الحب الذي يكنه الشعب للأمير والحاكم.
وإذا كنا نريد قراءة منطقية وعادلة لمكيافيلي، فإنه لا يصح كما لاحظ "غوتنبرغ"، النظر في أفكاره السياسية والاجتماعية من علياء القرن 20م، بل من خلال أسوار قلاع القرن 16م الإقطاعية. ولا ينبغي من جهة أخرى التغاضي عن تأكيداته الاستثنائية المهمة للغاية لأنها تحد من التعميم ومن فهمنا الخاطئ لمكيافيلي؛ فهو ينهي الفصل عن الحب والكراهية للأمير مثلا بقوله ناصحا "وعليه أن يتجنب الكراهية لشخصه كما سبق لي أن أوضحت".
وعموما كان لابد للرجل من هامش من الأخطاء وخصوصا وأنه كان سباقا لتناول عدد من أشد المواضيع تعقيدا؛ (الكنيسة واللاهوت، الجيوش الدخيلة والمرتزقة، مسألة الحظ والقدر، السياسة والأخلاق، أخلاق الأمير...). كما نجده هو نفسه يصرح بأنه يخشى أن تبدو كتابته على الطريقة التي قدمها، أن تبدو غرورا لدى الآخرين خصوصا وأنه يختلف في كثير من المواضيع عن رأي الآخرين.
غير أننا نلاحظ أن كثرة التمثيل والاستقاء من تجارب التاريخ أثرت في مسار كتابته وفي آراءه. فآراءه انعكاس لحوادث التاريخ ولتجربته الشخصية، فافتقدت بذلك لطابعها الشمولي الممكن.
ولا غرو أن فكر مكيافيلي يعتبر قطيعة مع فلسفة المثل والحق الإغريقية وخطوة عظمى باتجاه الواقعية. كما وتبدو واقعيته في تفريقه بين الواقع والخيال في تصور الدولة فنجده قائلا"إن الذي يتنكر لما يقع سعيا منه وراء ما يجب أن يقع. إنما يتعلم ما يؤدي إلى دماره بدلا من الحفاظ عليه".(ص 135-136) ويكفيه شرفا أنه وجد لإيطاليا "الشجاعة ليصف لها السم كعلاج" وهو كلام يلخص الغرض من كتابة "الأمير" ويلخص مبررات وضعه... إنه كان يتوق لإيطاليا موحدة وقوية ومستقلة...
ولمدة 3 قرون ضل فكره مغايرا لما هو سائد. بل إن تأخر تأثيره في نظرنا، إنما يدل على أصالته وسبقه لعصره. والدليل في ذلك أن إيطاليا وألمانيا انتظرت حتى عهد "هتلر" و"موسوليني" لتفهم آراءه بل وتطبقها، ويطبقها بعدها الكثير من الدول والحكام على السواء.
لقد كان مكيافيلي نافعا للدول المفككة، مقابل ذلك نفهم السبب من كونه لم يلق ترحيبا في إنجلترا وفرنسا وأمريكا، وهذا له مغزاه الواضح لأنها لم تكن محتاجة إلى فكرة القومية كما كانت تحتاجها دول وقوميات مثل؛ إيطاليا وألمانيا وتركيا...
إن من يريد البحث اليوم في الجذور الفكرية والشعبية والتاريخية للدولة القومية الموحدة ولفكرة الجيوش الوطنية، فلابد له من العودة إلى تسليط الضوء وإعادة تقييم المجهود النظري والفلسفي لمكيافيلي ولكتاب الأمير. فكلاهما ألمانيا وإيطاليا احتاجا إلى مكيافيلي لوحدتهما القومية.(ص 33) وقد أبانت التجربتين الإيطالية والألمانية صحة نبوءات مكيافيلي ودواءه الناجع لداء التشتت القومي والسياسي لهما ولما شابههما من الدول.
ويمكن القول عموما أن "المكيافيلية" كانت طريقا نحو "القومية"؛ ونجد النماذج لذلك في إيطاليا، ألمانيا، مصر، إسبانيا وتركيا... ثم إن الميكيافليون وأبرزهم الفاشيون الإيطاليون والنازيون الألمان والجمهوريون الإسبان، انتزعوا أفكار مكيافيلي من سياقها الزمني وإطارها المكاني واستعملوها في سياقها المطلق ومن ثم نشأة الدولة الدكتاتورية التوليتارية.
ولابد من التفريق في النهاية بين الميكيافلية الحقيقية الصافية والميكيافلية الناتجة عن الفهم والتحليل والتطبيق؛ والتي استعملها البعض لتوافق أهدافهم ومبادئهم وأغراضهم. واستعملتها الدول التي كانت محتاجة لمثل هذا النوع من التأويل لمكيافيلي، وكذلك بعض رؤساء وملوك الدول الذين رأوا في مكيافيللي حلا سحريا وسهلا ومباشرا للسيطرة وضبط النظام وضرب الخارجين عن الحكم...
لا يخفى أن كتاب "الأمير" كان صورة مبكرة للنفعية والواقعية السياسية التي فصلت كنظرية في القرن 20م. كما أنه ولا شك أيضا، أن مكيافيلي من خلال كتاب الأمير يعتبر نقطة تحول حقيقية في تاريخ الفكر السياسي العالمي.
الثلاثاء، 12 مارس 2019
«هل يُصلي العلماء؟» اقرأ جواب أينشتاين عن سؤال طفلة
«هل يُصلي العلماء؟» اقرأ جواب أينشتاين عن سؤال طفلة
في عام 1936، أرسلت طفلة صغيرة من نيويورك اسمها (فيليس) رسالة إلى أحد أهم العلماء في التّاريخ الحديث – إن لم يكن الأهم؛ ألبرت أينشتاين، الذي غيّر من مفهومنا للكون، للزمان، وللمكان، وهو الحاصل على جائزة نوبل في الفيزياء عام 1921.
توجّهت فيليس إلى أينشتاين بسؤال قديم وهام:
كنيسة ريفرسايد،
19 يناير 1936
عزيزي د. آينشتاين
لقد خطر في بالنا سؤال: هل يصلّي العلماء؟ في صف مدرسة الأحد، وقد بدأ بالسؤال إن كان بإمكاننا الإيمان بالعلم والدين معًا.
ونحن نبعث برسائل إلى علماء وأشخاص مهمين آخرين، لنحاول الحصول على إجابة عن هذا السؤال.
سيشرفنا جدًا لو أجبت عن سؤالنا: هل يصلّي العلماء، وما الذي يصلّون لأجله؟
نحن في المرحلة السادسة، صفّ السيدة إيليس.
مع كل الاحترام
فيليس.
★ ★ ★ ★ ★ ★ ★ ★ ★ ★ ★ ★
بعد خمسة أيام فقط، قام أينشتاين بالرد:
24 من يناير 1936
عزيزتي فيليس
سأحاول الرد على سؤالِك ببساطة قدر المستطاع، و هذا هو جوابي:
يعتقد العلماء أن كل حدث، بما في ذلك أحداث وشؤون البشر، هو بسبب قوانين الطبيعة.
لذا لا يمكن للعالِم أن يميل إلى الاعتقاد بأن مسار الأحداث يمكن أن يتأثر بالصلاة، الرغبة أو الأمنية التي تتجلّى بشكل خارق.
ومع ذلك، لابد لنا من الاعتراف بأن معرفتنا الفعلية بهذه القوى و قوانين الطبيعة هي غير متكاملة، وبالتالي فإن الاعتقاد بوجود روح نهائية يعتمد على نوع من الإيمان.
مثل هذا الاعتقاد يبقى حاضرًا على نطاق واسع حتى في ظل الإنجازات الحالية في مجال العلوم.
ولكن في نفس الوقت، كل من يطمح بجدّية في السعي وراء العلم، يصبح مقتنعًا بأن بعضًا من تلك “الروح” يتجلّى في قوانين الكون، روح بمفهوم آخر يفوق مفهوم الروح المعهود عند الإنسان.
بهذه الطريقة، السعي وراء العلم يقود بنا إلى شعور ديني من نوع خاص، والذي هو بالتأكيد يختلف تمامًا عن مفهوم التديّن عند شخص أكثر سذاجة.
مع تحياتي وودي
ألبرت أينشتاين
المصدر : أنا أصدق العلم.
وجد العلماء أدلة مخفية لوجود الأنهار الجليدية قديمًا في الصحراء الإفريقية
وجد العلماء أدلة مخفية لوجود الأنهار الجليدية قديمًا في الصحراء الإفريقية
منذ حوالي 300 مليون سنة، كان الجنوب الإفريقي متصلًا بأميركا الجنوبية، إذ كانت هذه المنطقة القاحلة مغطاة بمساحات واسعة من الأنهار الجليدية . لن تدرك ذلك اليوم بالنظر في الصحراء البركانية الجافة لمنطقة تويفينفونتاين بشمال ناميبيا ، ولكن على مدار تاريخ الأرض البالغ 4.5 مليار سنة اعتاد كوكبنا على إعادة هيكلة نفسه باستمرار. إذا نزعنا بعض الطبقات يمكننا أن نلقي نظرة على طبيعة هيكلة كوكبنا المعتادة، ويتطلب الأمر المحاولة فقط. يُعد الجيولوجيان غراهام أندروز وسارة براون من أوائل الذين قاموا بذلك في ناميبيا، وقد أدت أبحاثهم لاكتشاف غير متوقع.
تبين أن هذه المنطقة كانت في يوم من الأيام موطنًا لنهر جليدي كبير، إذ تتدفق شرايين النهر مباشرة من قلبه وباتجاه حوافه، والأمر المثير للإعجاب أنه كان ينافس تلك الأنهار الجليدية التي نراها في أنتاركتيكا الآن. لاحظ الجيولوجيان سارة وغراهام من جامعة ويست فيرجينيا أثناء استكشافهما للأرض الصحراوية في رحلتهم الميدانية بعض الملامح الغريبة في التلال الطويلة المنحدرة المعروفة بتلال ناميبيا.
وقال أندروز الخبير بالأقاليم البركانية في شمال كورديليرا الأمريكية: «لقد أدركنا بسرعة ما كنا نتطلع إليه؛ لأننا نشأنا في مناطق من العالم حيث كانت أسفل الأنهار الجليدية، فأنا في شمال إيرلندا وسارة في شمال إلينوي. لكن على الرغم من أن منشأ هذا المشهد الطبيعي الغريب بدا واضحًا لأندروز، فإنه تفاجأ عندما علم أن هذا الموضوع لم يبحث فيه أحد بعد.
وأوضح: «من الجلي أن الناس كانوا يعلمون أن هذا الجزء من العالم كان مغطىً بالجليد في يوم من الأيام، ولم يسبق لأحد أن ذكر كيفية تشكل هذه التلال أو إذا كانت موجودة حقًا».
حلل أندروز وفريقه شكل وحجم المشاهد الطبيعية الفريدة باستخدام معلومات من غوغل إيرث وفيما إذا نُحتت هذه التلال من تزايد وتضاؤل الأنهار الجليدية القديمة. ومن خلال النتائج، وجد الباحثون أخاديد طويلة وكبيرة في صخور المنطقة، فكان الدليل واضحًا؛ والسبب هو البنى الجليدية القديمة التي تحركت بسرعة كافية ليشق الجليد طريقه في مشهد بركاني (حوالي 800 مترًا في السنة).
تمثل هذه النتائج أول دليل على وجود نهر جليدي ضخم، وهو المسؤول عن استنزاف الغطاء الجليدي الذي كان يغطي جنوب إفريقيا خلال العصر الباليوزوي (أي الحقبة ما بين 230 – 600 مليون سنة مضت). انحرف وتحول هذا النهر الجليدي حوالي 200 كيلومتر، وكان يتدفق باتجاه الشمال الغربي؛ ما أدى لزوال الغطاء الجليدي في المنطقة وتحوله لبيئة بحرية ضحلة تُعرف في هذه الأيام من العصر الحديث بالبرازيل.
لا يؤكد البحث على ارتباط هاتين القارتين الجنوبيتين فقط، بل وعلى موقع جنوب إفريقيا منذ 300 مليون سنة. قال المؤلف المشارك آندي ماكغرادي، عالم جيولوجي آخر من جامعة ويست فرجينيا: «هذا العمل مهم جدًا لأنه لم يُذع الكثير عن هذه الملامح الجليدية في ناميبيا. من الرائع أن نعتبر هذا العمل ريادي؛ فهو من أول الأبحاث والدراسات التي غطت خصائص هذه الملامح وأعطت بعض الرؤى عن كيفية تشكلها».
نُشرت هذه الدراسة في PLOS ONE.
مالا تعرفه عن "هيدروكسي كلوروكين" المستخدم لعلاج كورونا
ما هو "هيدروكسي كلوروكين"؟ فيما يحارب العالم فيروس كورونا بكل الوسائل الممكنة لمنع تفشيه، أعلنت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب...
-
منحوتة متخيلة للملك يوبا الأول يوصف يوبا الأول بأنه آخر الملوك الأمازيغ، الذين حاولوا الوقوف في وجه روما وأطماعها الا...
-
Koussaila Kekouche - من المعروف أن الخلايا هي تلك الهياكل الصغيرة التي تمثل الوحدة الأساسية لبناء جسم الكائن الحي . وتتجمع ال...
-
من يقرأ تاريخ تشرشل أشهر رئيس وزراء في تاريخ بريطانيا، فسيجد أن مشكلته لم تكن نقص الشجاعة على الإطلاق، بل الإفراط فيها أحياناً. في أبريل/ني...